کد مطلب:145670 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:180

ما قالته زینب عند مشاهدتها لرأس الحسین
فبینما هی تخاطبهم اذا بضجة قد ارتفعت، و اذا هم قد أتوا بالرؤوس یقدمهم رأس الحسین علیه السلام، و هو رأس زهری قمری أشبه الخلق برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، و لحیته كسواد السبج [1] ، قد انتصل [2] بها الخضاب، و وجهه [داره] قمر طالع، و الریح تلعب بها یمینا و شمالا.

فالتفتت زینب علیهاالسلام فرأت رأس أخیها، فنطحت جبینها بمقدم المحمل، حتی رأینا الدم یخرج من تحت قناعها، و أو مات الیه بخرقة، و جعلت تقول:



یا هلالا لما استتم كمالا

غالبه خسفه فأبدی غروبا



ما توهمت یا شفیق فؤادی

كان هذا مقدرا مكتوبا






یا أخی! فاطم الصغیرة كلمها

فقد كاد قلبها أن یذوبا



یا أخی! قلبك الشفیق علینا

ما له قد قسی و صار صلیبا؟



یا أخی! لو تری علیا لدی الأسر

مع الیتم [3] لا یطیق وجوبا



كلما أوجعوه بالضرب ناداك

بذل یفیض [4] دمعا سكوبا



یا أخی! ضمه الیك و قربه

و سكن فؤاده المرعوبا



ما أذل الیتیم حین ینادی

بأبیه و لا یراه مجیبا [5] .



و فی كتاب آخر مما ألفه الشیخ حسن بن الشیخ علی الملقب بأبی قطفان سقی ثراه صوب الرضوان: روی مرسلا عن رجل من الشیعة قال:

أخطأت خطیئة، و جنیت جنایة لو لم تغفر لی لما شككت أنی من أهل النار، و هی أنی كنت فی الكوفة، و لیس لی علم بما جری علی الحسین علیه السلام و عیاله.

فبینما أنا جالس فی سوق الكوفة و نفسی مستوحشة مما أراه من تغیر اللیل و النهار، و أری جدران الكوفة كأنها مطلیة بدم عبیط، و الافاق مسودة، و الجهات [6] مغبرة [7] ، و كل انسان أراه كأن ثیابه و وجهه مطلیان بالدم، و الناس فی حیرة شدیدة، و دهشة عظیمة، و لا أعلم ما سبب ذلك.

فبینما أنا علی تلك الحالة، و اذا بتكبیر و تهلیل و أصوات عالیة، و رجة


عظیمة، فقمت لأنظر ماذا، و اذا برؤوس مرفوعة علی الرماح، و نساء علی الجمال من غیر غطاء و لا وطاء، و بین تلك النساء بنات صغار وجوهن كالقنادیل، و كل واحدة علی جمل أدبر أعجف، و شعورهن منشورة، و رؤوسهن منكة حیاء من الناس.

و بینهن ولد راكب علی جمل، و هو مفید من تحت بطن الناقة، و فخذاه یشخبان دما، و هو مكشوف الرأس عار من الثیاب.

و بین الحاملین للرؤوس رجل علی رمحه رأس أزهر من تلك الرؤوس و لم یر علیه آثار القتل، و هو یتحمس و یقول:



أنا صاحب الرمح الطویل

أنا صاحب السیف الصقیل



أنا قاتل ذی الدین الأصیل

ثم سكت لعنه الله، فقالت له امرأة من تلك النساء: فقل - یا ویلك! -:



و من ناغاه فی المهد جبرئیل، و من بعض خدامه میكائیل و اسرافیل و عزرائیل، و من عتقائه صلصائیل، و من اهتز لقتله عرش الجلیل.

و قل - یا ویلك! -: أنا اقتل محمد المصطفی، و علی المرتضی، و فاطمة الزهراء، و الحسن المجتبی [8] ، و أئمة الهدی، و ملائكة السماء و الأنبیاء و الأوصیاء.

فدنوت لواحدة من النساء لأسألها، فقلت لها:ما هذه الرؤوس؟ و ما هذه السبایا؟

فصاحت بی صیحة خلت أنها صاعقة أصابت فؤادی و هی تقول: أما


تستحی من الله تنظر الینا؟

فسقطت علی وجهی مغشیا علی، فلما أفقت من غشوتی، و قمت رأیتهم قد بعدوا عنی، فلطمت علی وجهی و قلت: هلكت و رب الكعبة.

فقمت أعدو حتی وصلت قریبا منها، فتأدبت بین یدیها و أطرقت رأسی حیاء منها، و أنا أبكی و هی مشغولة بالبكاء، و أنا أسائرها و لم أتجرأ علی مسألتها، فالتفتت الی، و قالت: ما یبكیك یا رجل؟!

قلت: علیكم یا سیدتی، و علی ما جری علیكم، لكن أخبرینی من أنتم؟ و ما هذه الرؤوس المشالة علی الرماح؟ فانی أری لكم هیبة و شأنا جلیلا، و أری فؤادی یتصدع [9] من رؤیتكم، و عینی تدمع من حزنی علیكم، و ما رأیت سبیا كسبیكم، و لا مقتولا تجری علیه المدامع مثل مقتولكم، و لم أعرف من أین أنتم؟

فنكست رأسها حیاء منی و قالت:

أنا زینب بنت علی بن أبی طالب علیه السلام، و هذه السبایا بنات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، و بنات علی و فاطمة الزهراء علیهاالسلام، و ذلك الرأس الأزهر المتقدم علی الرؤوس رأس أخی الحسین علیه السلام الذی ذبحوه فی أرض كربلاء، و ذبحواه أولاده و بنی أخیه و أصحابه عن آخرهم، و هذه رؤوسهم، و ذلك الصبی المقید من تحت بطن الناقة علی بن الحسین علیهماالسلام امام العصر بعد أبیه.

فلما سمعت كلامها ضربت رأسی بحجر حتی كسرته، و مزقت ثیابی، و لطمت وجهی، و قلت: یا سیدتی! قلع الله عینا تنظر الیكم بخیانة، فأنا محبكم و موالیكم و عزیز علی ما نالكم، و ما نزل بكم، فیا لهفتاه! عیكم و یا طول تأسفی


علی ما أصابكم.

فقالت: اذا كنت محبنا فلم لا نصرتنا و حامیت عنا؟

قلت: یا سیدتی! سوء حظی أخرنی عن نصرتكم.

فأدخلوهم قصر الامارة و جری ما جری علیهم [10] .

و قال أبومخنف: قال الشهرزوری: أقبلت فی تلك السنة من الحج، فدخلت الكوفة فرأیت الأسواق معطلة و الدكاكین مقفلة، و الناس بین باك و ضاحك، فدنوت الی شیخ منهم و قلت: مالی أری الناس بین باك و ضاحك؟ ألكم عید لست أعرفه.

فأخذ بیدی و عدل بی عن الناس، ثم بكی الشیخ بكاء عالیا، و قال: سیدی! ما لنا عید، و لكن بكاؤهم والله؛ من أجل عسكرین: أحدهما ظافر، و الاخر مقتول.

فقلت: و من هذین العسكرین؟

فقال: عسكر الحسین علیه السلام مقتول، و عسكر ابن زیاد لعنه الله ظافر.

ثم قال: وا حر قلباه! و فی هذه الساعة یدخل علیكم كرائم الحسین علیه السلام.

قال: فما استتم كلامه حتی سمعت البوقات تضرب، و الرایات تخفق، و اذا بالعسكر قد دخل الكوفة، و سمعت صیحة عظیمة، و اذا برأس الحسین علیه السلام، و النور یسطع منه، فخنقتنی العبرة لما رأیته، ثم أقبلت السبایا یقدمهم علی بن الحسین علیهماالسلام، ثم أقبلت من بعده ام كلثوم علیهاالسلام و علیها برقع خز أدكن، و هی تنادی:


یا أهل الكوفة! غضوا أبصاركم عنا، أما تستحون من الله و رسوله أن تنظروا الی حرم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، و هن عرایا؟

قال: فوقفوا بباب بنی خزیمة، و الرأس علی قناة طویلة، و هو یقرء سورة الكهف الی أن بلغ (أم حسبت أن أصحاب الكهف و الرقیم كانوا من آیاتنا عجبا) [11] .

قال سهل: فبكیت، و قلت: یابن رسول الله! رأسك أعجب، ثم وقعت مغشیا علی فم افق حتی ختم السورة [12] .


[1] السبج: الخرز الأسود، فارسي معرب، «منه رحمه الله».

[2] الانتصال: خروج اللحية من الخضاب.

[3] اليتم - بالضم -: الانفراد، و فقدان الأب، و يحرك، «منه رحمه الله».

[4] في البحار: يغيض.

[5] المنتخب: 465 - 463، البحار: 115 - 114 / 45، مع اختلاف يسير.

[6] الجهة - بالكسر و الضم -: الناحية، كالوجه و الوجهة، جمع: جهات، «منه رحمه الله».

[7] في الدمعة الساكبة: مغيرة.

[8] في الدمعة الساكبة: المزكي.

[9] في الدمعة الساكبة: ينصدع.

[10] في الدمعة الساكبة: 47 - 45 / 5.

[11] الكهف: 9.

[12] في الدمعة الساكبة: 5 / 47 و 48.